مقالات

ريم خليل تكتب : منشأة فوردو: حيث سقطت هيبة القاذفة الأميركية

 

في حلقة جديدة من مسلسل العربدة الأميركية والإجرام الصهيوني المنسّق، نفذت الولايات المتحدة عدواناً جوياً سافراً استهدف منشأة فوردو النووية الإيرانية، مستخدمةً قنابل “GBU-57” الخارقة للتحصينات، والتي تعدّ من أضخم القنابل التقليدية في ترسانة الشر العالمية. هذا الاعتداء الجبان، الذي يحمل بصمات واشنطن وتل أبيب معاً، لا يُخفي جوهره الحقيقي: حرب استباقية ضد كل ما هو سيادي، مستقل، ومقاوم لمنظومة الهيمنة الغربية. فالعدو الأميركي، الذي اعتاد اللعب بالنار في أرض غير أرضه، لا يحتمل أن تُراكم دولة إسلامية قدراتها العلمية والتكنولوجية والتصنيعية خارج بيت الطاعة. من هنا، جاءت هذه الضربة محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بقنابل تُسقط على العقول والمواقع، لا على الجيوش. لكنّ هذا الهجوم لن يمرّ. فالرسالة وصلت، وردّها قادم. والعيون اليوم تتجه إلى الخليج، حيث يتحول مضيق هرمز من مجرّد ممر بحري إلى ساحة اختبار حقيقي لقدرة المحور على قلب الموازين. فأي عبث بالأمن الإيراني والسيادة الإيرانية، سيقابَل بخنق استراتيجي لوريد الطاقة العالمي.

إنّ إغلاق مضيق هرمز لم يعد ورقة تهديد، بل خياراً قيد التفعيل في حال استمر مسلسل العدوان. وعلى العدو أن يقدّر جيّدا تبعات إشعال النار قرب منابع النفط… فاللهيب لا يعترف بالحدود عندما يشتعل.

وبالعودة للاعتداء الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية، فإن ما يسمى بـ “GBU-57” التي تم استخدامها في الهجوم، هي قنبلة تزن أكثر من 13 طنًا، مُعدّةٌ خصيصاً لاختراق الجبال والمخابئ المحصنة وتصل إلى ما يقارب الـ 100 متر تحت الأرض وقد أسقطتها الطائرات الشبحية “B-2” على منشأة فوردو المحصّنة تحت الجبل، في محاولة يائسة لكسر إرادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لكن الضربة -رغم ضخامتها- لم تؤتِ مفعولها السياسي. فلم يتم تسجيل أي أضرار إشعاعية بحسب بيان الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أكدت: “لم يتم رصد أي زيادة في مستويات الإشعاع في محيط المواقع النووية الإيرانية التي تعرضت للقصف الأميركي”. وهذا بحد ذاته ينسف كلّ مزاعم أميركا بـ “منع الخطر النووي” ويكشف أن الهدف الحقيقي سياسي – نفسي – إعلامي، وليس تقني أو أمني.

وهذا الاعتداء ليس إلا تعبيراً عن فشل الإدارة الأميركية وحلفائها في انتزاع أي تنازل سياسي أو استراتيجي من طهران، لذلك لجأوا إلى منطق القوة. لكنه منطق لا يصنع انتصاراً، بل يستولد مقاومات جديدة، ويعزز نهج الردّ الحتمي الآتي والذي سيستهدف المصالح الأميركية في الشرق الأوسط والتي بدورها بدأت بتعزيز تأهبها في كل قواعدها داخل العراق والخليج وآسيا بشكل عام بانتظار الرد الإيراني الذي أعلن أنه “سوف ينهي ما بدأ”.

فقد رأينا حالة التخبط داخل الكونغرس الأميركي، حيث اعتبر العديد من الديمقراطيين أن استهداف المنشآت النووية الإيرانية هو “خرق للدستور الأميركي” و”إمكانية للدخول في حرب مدمرة دون تفويض من الكونغرس”، كما وصفت النائبة الأميركية ألكسندريا أوكاسيو كورتيز الضربة بأنها “انتهاك للدستور وأرضية لعزل ترامب”، بينما أشاد أغلبية قيادة الحزب الجمهوري بالعملية واعتبروها “قراراً صحيحاً” ومبرراً لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي. فالمشهد السياسي الأميركي يعكس بوضوح الانقسام الأيديولوجي بين من يراها خطوة ردع قوية ومن ينتقدها كونها خرق واضح للدستور ومفتاح لصراع قد يجر إلى مستنقع جديد. لذلك ترامب المهووس بجائزة أوسكار للسلام بدأ بخطِّ نهايته بيديه منذ اللحظة التي هددّ فيها باستهداف السيد علي الخامنئي ليس لكونه المرشد الأعلى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية فقط، بل أيضاً لمكانته الكبيرة في أوساط الشيعة على امتداد العالم الإسلامي، فتهديده لا يقل أهمية عن تهديد استهداف مواقع المنشآت النووية.

فرغم الهجوم، لم تُعلن إيران وقف برنامجها النووي، فالبرنامج مازال مستمر، والمواقع ستُعاد بناؤها، والردّ آتٍ. فالضربة الأميركية لم ينتج عنها أضرار جسيمة وإنما تضرر جزئي فقط، فكما جاء في تصريح من مصدر إيراني رفيع المستوى لوكالة “رويترز”: “معظم اليورانيوم المخصب في منشأة فوردو تم نقله إلى مكان آمن سري قبل الهجوم الأميركي”.

العدوان الأميركي – الصهيوني المشترك على فوردو هو دليل آخر على أن الغرب لا يريد دولة حرّة في هذه المنطقة، بل يطمح لإخضاع كل من يملك قراره وسيادته. لكن كما أفشلت المقاومة مشاريع التقسيم والاحتلال والهزيمة، ستفشل هذه الحرب الجديدة، ولو ارتدت قناع التكنولوجيا المتطورة.

وفيما يخُص مضيق هرم، فإنّ أيّ حماقة أميركية إضافية لن تمرّ من دون ارتدادات استراتيجية. فالجمهورية الإسلامية، التي صمدت في وجه الحصار والحرب والتآمر، تملك اليوم أوراق قوة لا تقلّ عن قدراتها العسكرية والعلمية، وأبرزها ورقة مضيق هرمز، الذي يُعدّ الشريان الحيوي لنقل نحو 20% من النفط العالمي.

ففي حال قررت طهران تهديد الملاحة في المضيق أو إغلاقه جزئيًا، فإنّ أسعار النفط ستقفز إلى مستويات جنونية تتجاوز 150 دولاراً للبرميل، وربما أكثر، ما سيُحدث هزة اقتصادية تضرب الأسواق الأميركية والأوروبية قبل الخليجية نفسها.

أما بالنسبة للخليج الذي يعتمد وجوده الاقتصادي والسياسي على استقرار تصدير النفط، سيجد نفسه في قلب الزلزال. والولايات المتحدة، التي ظنّت أن بإمكانها قصف منشأة نووية في طهران دون أن تدفع الثمن، فستكتشف أن الاقتصاد لا ينفصل عن الجغرافيا، وأن ألسنة اللهب في المضيق ستمتد إلى وول ستريت نفسها.

فردُّ إيران على العدوان قد لا يأتي بصواريخ فقط، بل بصمّام إقفال جغرافي – اقتصادي يشلّ الأسواق العالمية، ويذكّر الجميع أن زمن التحكم الأميركي بخطوط الطاقة قد انتهى، وأن اليد التي تمتد إلى فوردو قد تُحرق في هرمز.

الضربة الأميركية كشفت هشاشة هيبة الردع الجوي، وانكشاف الجبهة الداخلية لواشنطن أمام ردّ إيراني يُطبخ بهدوء ودقّة. الداخل الأميركي منقسم، والاقتصاد العالمي على شفير أزمة نفطية خانقة في حال هُدّد مضيق هرمز أو أُغلق. الخليج في مهبّ الارتدادات، و”وول ستريت” لم تعد آمنة من لهيب الجغرافيا.

أما إيران، فهي لم تُهزم، بل خرجت من تحت الردم أكثر صلابة، محتفظةً ببرنامجها، ومستعدّة لردّها. مشروع الهيمنة يتآكل، ومشروع المقاومة يتمدد، فما لم تقدر عليه القاذفات، ستحسمه الشعوب. من فوردو إلى غزة، ومن صنعاء إلى الضاحية، المعادلة واحدة: مهما قصفوا… الشعوب تنتصر!.

كاتبة لبنانية 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى