تصعيد إقليمي خطير.. الهجمات الإسرائيلية على اليمن وتأثيراتها على المنطقة العربية

كتبت: فاطمة إسماعيل
في تصعيد غير مسبوق، شنت القوات الجوية الإسرائيلية غارات جوية مكثفة على مواقع تابعة لجماعة الحوثيين في اليمن، مستهدفة مطار صنعاء الدولي ومنشآت حيوية في العاصمة اليمنية وعدد من المحافظات. جاءت هذه الهجمات في ظل تصاعد التوتر الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة والدعم الذي تقدمه جماعة الحوثي للفصائل الفلسطينية. التقرير التالي يرصد تفاصيل الهجمات، الأضرار المترتبة عليها، الأسباب الكامنة وراء التصعيد، وردود الفعل الإقليمية، بالإضافة إلى تقييم لتأثير هذه التطورات على مستقبل المنطقة.
تفاصيل الهجوم على مطار صنعاء
في فجر السادس من مايو 2025، نفذت إسرائيل سلسلة من الضربات الجوية على مطار صنعاء الدولي، أحد أهم المنشآت الحيوية في اليمن. وفقاً لمصادر رسمية في حكومة الحوثيين، تسببت الغارات في تدمير شبه كامل للبنية التحتية للمطار، بما في ذلك قاعة الوصول، برج المراقبة، ومدرج الطائرات. كما تم استهداف مستودعات الوقود ومباني التموين والخدمات.
أكد خالد الشايف، مدير عام المطار، أن الخسائر المادية الناتجة عن الهجوم تجاوزت 500 مليون دولار، مشيراً إلى تدمير ثلاث طائرات مدنية تابعة للخطوط الجوية اليمنية، وإصابة العشرات من الموظفين، بينهم طاقم تابع للأمم المتحدة.

أهداف الضربات الإسرائيلية وأماكن أخرى تعرضت للهجوم
لم تقتصر الهجمات الإسرائيلية على مطار صنعاء، بل شملت أهدافاً في محافظة الحديدة، أبرزها ميناء رأس عيسى ومحطة الكهرباء المركزية، إضافة إلى مواقع يعتقد أنها مراكز قيادة واتصالات عسكرية تابعة للحوثيين في صعدة وعمران.
أفادت مصادر طبية أن الغارات أسفرت عن مقتل 12 مدنياً على الأقل، بينهم نساء وأطفال، وإصابة أكثر من 40 آخرين، إضافة إلى تدمير منازل ومرافق مدنية مجاورة.
خلفية الصراع: لماذا تصعد إسرائيل ضرباتها؟
تأتي هذه الهجمات في سياق الرد الإسرائيلي على إطلاق جماعة الحوثي صاروخاً باليستياً بعيد المدى استهدف مطار بن غوريون في تل أبيب في الرابع من مايو 2025. ورغم أن الدفاعات الإسرائيلية اعترضت الصاروخ قبل وصوله، إلا أن الهجوم تسبب في حالة من الذعر وتعليق مؤقت للرحلات الجوية.
وتعتبر إسرائيل الحوثيين جزءاً من “محور المقاومة” الذي تقوده إيران ويمتد إلى سوريا ولبنان والعراق. وقد كثفت الجماعة الحوثية من تصريحاتها الداعمة لحركة حماس، وشاركت في مهاجمة سفن تجارية في البحر الأحمر بزعم دعم الفلسطينيين في غزة.
ردود الفعل الدولية والإقليمية
أثارت الهجمات الإسرائيلية على اليمن موجة من الإدانات في العالم العربي. فقد أدانت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً ما وصفته بـ”العدوان السافر” على الأراضي اليمنية، محملة جماعة الحوثي مسؤولية الزج باليمن في صراعات إقليمية.
من جهتها، أصدرت جامعة الدول العربية بياناً أعربت فيه عن قلقها من التدهور الأمني في اليمن، داعية إلى وقف فوري للتصعيد وحماية المدنيين.
أما الأمم المتحدة، فقد عبرت عن “قلق بالغ” من تأثير الضربات على الأوضاع الإنسانية، خاصة أن مطار صنعاء يُستخدم لنقل المساعدات والإمدادات الطبية.
تداعيات إنسانية واقتصادية كارثية
يُعد مطار صنعاء شرياناً حيوياً لنقل المواد الإغاثية والطبية إلى اليمن الذي يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. ومع تدمير المطار، تواجه منظمات الإغاثة تحديات كبرى في إيصال المساعدات، ما ينذر بكارثة إنسانية جديدة.
اقتصادياً، تسببت الهجمات في شل حركة النقل الجوي، وتعطيل سلاسل الإمداد، وتدمير البنية التحتية للطيران المدني، الأمر الذي سينعكس سلباً على معيشة ملايين اليمنيين ويزيد من عزلة البلاد.
الحوثيون: رد فعل أم استراتيجية تصعيدية؟
منذ بداية الحرب في غزة، صعد الحوثيون من نشاطهم العسكري ضد إسرائيل وحلفائها، في سياق ما وصفوه بـ”الرد الاستراتيجي على العدوان الصهيوني”. فقد استهدفت الجماعة موانئ سعودية وسفن شحن مرتبطة بإسرائيل، وأطلقت طائرات مسيرة وصواريخ باتجاه البحر الأحمر.
ويرى مراقبون أن الحوثيين يسعون إلى تأكيد حضورهم كفاعل إقليمي ضمن محور المقاومة، مستفيدين من الدعم الإيراني وغياب رقابة دولية فعالة، بينما يحذر آخرون من أن هذا النهج قد يؤدي إلى مزيد من العزلة الدولية وتدمير ما تبقى من البنية التحتية في اليمن.
الموقف الأمريكي والغربي
رغم تحالف واشنطن الوثيق مع تل أبيب، لم تصدر الولايات المتحدة إدانة واضحة للهجمات الإسرائيلية، بل اكتفت بالتعبير عن “القلق من التصعيد”، داعية جميع الأطراف إلى ضبط النفس.
في المقابل، صدرت إدانات من بعض الحكومات الأوروبية التي أعربت عن خشيتها من امتداد رقعة الصراع إلى مناطق جديدة، معتبرة أن مهاجمة أهداف مدنية في بلد يعاني من حرب أهلية يشكل سابقة خطيرة.
تأثير الهجمات على الأمن الإقليمي
الهجمات الإسرائيلية على الحوثيين في اليمن تعكس تحوّلاً في قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط، إذ لم يعد الصراع محصوراً بين إسرائيل والفلسطينيين، بل تحول إلى ساحة مواجهة متعددة الجبهات.
يشير محللون إلى أن إسرائيل تسعى لتوجيه رسائل ردع لكل من إيران وحلفائها، مفادها أن أي استهداف مباشر لها أو لمصالحها سيُقابل برد عسكري فوري وقاسٍ، حتى وإن كان في دول خارج ساحات المواجهة التقليدية.
لكن هذا التحول يحمل في طياته مخاطر كبيرة، فاستهداف جماعة مسلحة داخل دولة فاشلة كاليمن قد يدفع إلى ردود أفعال غير متوقعة، كما أنه يعمق الفجوة بين شعوب المنطقة وإسرائيل، ويزيد من الاحتقان الشعبي في الدول العربية.
السيناريوهات المستقبلية
هناك عدة سيناريوهات محتملة لتطور الأحداث:
-
استمرار التصعيد: مع تبني الحوثيين نهج الرد بالمثل، قد نشهد مزيداً من الضربات المتبادلة، وربما انتقال المعارك إلى البحر الأحمر.
-
دخول أطراف إقليمية جديدة: قد تتدخل إيران بشكل مباشر أو غير مباشر لدعم الحوثيين، مما يزيد من تعقيد المشهد.
-
ضغط دولي للتهدئة: من المحتمل أن تدفع الأمم المتحدة والدول الأوروبية باتجاه هدنة إنسانية لحماية المدنيين وضمان تدفق المساعدات.
-
تحول استراتيجي في دعم حماس: إذا نجحت إسرائيل في كبح الدعم الإقليمي لحماس عبر ضرب محاور الدعم، قد يؤدي ذلك إلى إعادة رسم التحالفات في المنطقة.
الهجوم الإسرائيلي على مطار صنعاء وغيره من المواقع في اليمن يعد نقطة تحول خطيرة في الصراع الإقليمي، ويطرح تساؤلات حول مستقبل الاستقرار في الشرق الأوسط. وبينما تتبادل الأطراف الاتهامات، يدفع المدنيون اليمنيون الثمن الأكبر.
ما لم يتم احتواء هذا التصعيد، فإن تداعياته ستتجاوز اليمن، لتطال عمق الأمن الإقليمي والعربي، وربما تشعل فصولاً جديدة من المواجهات المفتوحة التي لا تُعرف نهايتها.
للمزيد : تابع العاصمة والناس، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر