قضايا ومتابعات

خريطة الصراع الجديد: تداعيات الاعتراف الإسرائيلي بـ “أرض الصومال” على أمن البحر الأحمر

كتبت : منى حمدان

يمثل الاعتراف الإسرائيلي بجمهورية أرض الصومال (صوماليلاند) المنفصلة “جيوسياسياً” نقطة تحول خطيرة تتجاوز مجرد الدعم السياسي لإقليم انفصالي، لتصل إلى قلب معادلة الأمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

هذا التحرك يضع المنطقة أمام سيناريوهات معقدة تتقاطع فيها مصالح القوى الكبرى مع طموحات القوى الإقليمية.

موطئ قدم عند “بوابة العالم”: الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل

تسعى إسرائيل من خلال هذا الاعتراف إلى كسر العزلة الجغرافية وتأمين نفوذ دائم في منطقة القرن الأفريقي.

تبرز أهمية “أرض الصومال” في:

السيطرة على الممرات الملاحية: يمتلك الإقليم ساحلاً طويلاً على خليج عدن، مما يمنح إسرائيل قدرة على مراقبة حركة الملاحة المتجهة من وإلى قناة السويس.

تطويق التهديدات: تسعى تل أبيب لخلق حليف استراتيجي بالقرب من مضيق باب المندب لمواجهة نفوذ القوى المنافسة وتحجيم التهديدات التي تستهدف سفنها في البحر الأحمر.

القواعد العسكرية واللوجستية: قد يمهد الاعتراف لاتفاقيات أمنية تسمح بوجود استخباراتي أو لوجستي إسرائيلي في قواعد قريبة من خطوط التجارة العالمية.

تهديد الأمن القومي العربي والمصري

تمثل هذه الخطوة تحدياً مباشراً للأمن القومي العربي، وتحديداً المصالح المصرية والسعودية:

حصاد “التفتيت”: تخشى القاهرة أن يؤدي الاعتراف بإقليم انفصالي إلى تشجيع حركات أخرى، مما يؤدي لتفتيت الصومال وإضعاف دوره كدولة عربية محورية في القرن الأفريقي.

الضغط على قناة السويس: أي وجود أجنبي “غير صديق” في مدخل البحر الأحمر يمثل ورقة ضغط سياسية واقتصادية على المجرى الملاحي العالمي وقناة السويس.

تفاقم الصراعات الإقليمية: دخول إسرائيل كطرف مباشر في صراعات القرن الأفريقي سيزيد من حدة الاستقطاب، مما قد يحول المنطقة إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية.

 “أرض الصومال” واتفاقيات أبراهام: هل يتحول الإقليم إلى قاعدة بديلة؟

إشارة مكتب نتنياهو إلى رغبة الإقليم في الانضمام لـ اتفاقيات أبراهام تعكس رغبة في خلق “نموذج تطبيع” جديد خارج الإطار التقليدي.

البحث عن شرعية: يحاول إقليم أرض الصومال مقايضة موقعه الاستراتيجي بالاعتراف الدولي الذي يفتقده منذ عقود.

محور التهجير: تكتسب تحذيرات الخارجية الفلسطينية أهمية قصوى هنا؛ ففكرة تحويل أجزاء من القرن الأفريقي إلى مناطق استيعاب أو “وطن بديل” ضمن صفقات سياسية كبرى باتت تطرح كسيناريو مرعب يهدد التركيبة السكانية والأمنية للمنطقة.

رد الفعل التركي والأفريقي: صراع النفوذ يشتعل

الرفض التركي القاطع والتحذيرات الأفريقية تعكس تخوفاً من ضياع الاستثمارات والجهود الدبلوماسية التي بُذلت لاستقرار الصومال.

تركيا: ترى في هذه الخطوة تقويضاً لدورها كحليف استراتيجي لمقديشو ومحاولة إسرائيلية لضرب التواجد التركي في شرق أفريقيا.

الاتحاد الأفريقي: يخشى من “تأثير الدومينو”؛ حيث يفتح الاعتراف بـ “أرض الصومال” الباب أمام عشرات الحركات الانفصالية في القارة للمطالبة بكيانات مستقلة تحت حماية دولية.

نحو مرحلة من عدم الاستقرار

إن الاعتراف الإسرائيلي بـ “أرض الصومال” هو “مغامرة جيوسياسية” قد تنجح في منح تل أبيب نفوذاً بحرياً جديداً، لكنها في المقابل ستشعل فتيل توترات لا يمكن التنبؤ بنهايتها.

البحر الأحمر، الذي يعاني أصلاً من اضطرابات ملاحية، أصبح الآن ساحة لصراع سيادي يمس جوهر وحدة الدول الوطنية في أفريقيا.

ميزان القوى والتحالفات الحالية في منطقة القرن الأفريقي

تتمثل خلاصة ميزان القوى الحالي في منطقة القرن الأفريقي في انقسام حاد بين معسكرين؛ الأول تقوده الحكومة الفيدرالية في مقديشو مدعومة بتحالف “عربي-تركي” وقوى أفريقية متمسكة بمبدأ “وحدة الأراضي”، حيث ترى في الصومال الموحد صمام أمان لاستقرار الملاحة في البحر الأحمر.

وفي المقابل، يبرز المحور الإسرائيلي الذي يسعى لاختراق هذه المنظومة عبر دعم الكيانات الانفصالية مثل “أرض الصومال”، مستغلاً رغبة الإقليم في انتزاع اعتراف دولي مقابل منح تسهيلات استراتيجية وأمنية.

هذا الصراع يضع القوى التقليدية مثل مصر والسعودية أمام تحدي حماية “البعد الاستراتيجي الجنوبي” ومنع تحول مضيق باب المندب إلى ساحة نفوذ إسرائيلية مباشرة، مما يجعل مستقبل المنطقة رهناً بمدى قدرة الدولة الصومالية على استعادة تماسكها في مواجهة مشاريع التدويل والتقسيم التي تدعمها تل أبيب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى