حرب بلا حدود.. كيف تهدد الحرب الهندية الباكستانية استقرار الاقتصاد العالمي؟

كتبت: فاطمة إسماعيل
في خضم التصعيد الأخير بين الهند وباكستان، وبعد إسقاط مقاتلات هندية متقدمة على يد الدفاعات الجوية الباكستانية، بدأ الحديث الجاد عن احتمالية انزلاق النزاع إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بين البلدين النوويين. ورغم أن هذا السيناريو كارثي عسكريًا، إلا أن تأثيراته الاقتصادية لا تقل خطورة، سواء على مستوى المنطقة أو على الاقتصاد العالمي.
تتمتع باكستان بعلاقات استراتيجية وتجارية وثيقة مع قوى عالمية كبرى، لا سيما الصين وروسيا. تصاعد الصراع مع الهند يضع هذه العلاقات أمام اختبارات حساسة، خصوصًا أن كلا البلدين يُعدّان أيضًا طرفين مهمّين في المعادلة الجيوسياسية الآسيوية.
أولًا: الأثر المباشر على الاقتصاد الباكستاني
1. ضغوط على الموازنة العامة
في حال اندلاع حرب، ستضطر باكستان إلى رفع الإنفاق العسكري بشكل كبير على حساب القطاعات المدنية.
سيؤدي ذلك إلى ارتفاع عجز الموازنة، وسط انخفاض في الإيرادات الضريبية بفعل تراجع النشاط الاقتصادي.
2. ضرب قطاع الزراعة والمياه
في حال استخدام الهند “سلاح المياه”، قد تتضرر الزراعة الباكستانية بشدة، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء داخليًا ويؤثر على صادرات المنتجات الزراعية.
3. هبوط الروبية وارتفاع التضخم
أي تصعيد عسكري يخلق حالة ذعر في الأسواق، ما يدفع المستثمرين لسحب أموالهم.
انهيار الروبية الباكستانية أمام الدولار سيؤدي لارتفاع أسعار السلع المستوردة، وبالتالي زيادة التضخم.
4. شلل في الاستثمارات الأجنبية
التوتر العسكري يدفع المستثمرين العالميين لتجميد أو سحب استثماراتهم، خاصة في قطاعات البنية التحتية والطاقة.
ثانيًا: تأثير الحرب على العلاقات التجارية الباكستانية
1. باكستان والصين: شراكة استراتيجية في مهب التصعيد
الصين تُعدّ أكبر شريك تجاري لباكستان، وأهم مستثمر في إطار مشروع الممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني (CPEC).
أي حرب بين باكستان والهند تهدد استقرار هذا المشروع الضخم، الذي يمثل منفذًا حيويًا للصين إلى المحيط الهندي.
احتمالات التأثر:
تعليق أو تباطؤ تنفيذ مشاريع CPEC في حال تضرر البنية التحتية أو وقوعها قرب مناطق القتال.
زيادة اعتماد باكستان على الصين ماليًا، عبر طلب قروض عاجلة أو تسهيلات تجارية.
قد تقوم الصين بدور الوسيط السياسي لتفادي تهديد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
2. باكستان وروسيا: توازن حساس في بيئة مضطربة
العلاقات الباكستانية الروسية شهدت تحسنًا كبيرًا منذ 2016، مع تنامي التعاون في مجالات الطاقة والدفاع.
الحرب تعني إما فرصة لتعزيز التعاون العسكري الروسي–الباكستاني أو تهديدًا له في حال أرادت موسكو النأي بنفسها عن النزاع.
احتمالات التأثر:
روسيا قد تزيد صادراتها من الأسلحة إلى باكستان، مع تكتم إعلامي لتجنّب استثارة الهند.
في المقابل، قد تجمّد مشاريع مدنية كخط أنابيب الغاز الباكستاني–الروسي إذا احتدم الصراع.
ثالثًا: تأثير الحرب على التجارة الإقليمية والعالمية
1. اضطراب طرق النقل البري والطاقة
الطريق التجاري بين الصين وباكستان عبر كاشغر–جوادر (CPEC) سيتأثر بشدة في حال تعرضه لأي قصف أو تعطيل.
الممرات الجوية والبرية عبر آسيا الجنوبية ستصبح غير آمنة، ما يُجبر شركات النقل على اتخاذ مسارات أطول وأكثر تكلفة.
2. تهديد إمدادات الطاقة العالمية
أي تصعيد قد يدفع الهند أو باكستان لضرب منشآت الطاقة أو خطوط الأنابيب العابرة، خصوصًا في بلوشستان.
إذا تم تهديد ميناء جوادر، قد تُصاب إمدادات النفط الصينية والإيرانية التي تمر عبره باضطراب.
3. تأثير مباشر على الأسواق العالمية
أسواق المال العالمية تتفاعل سريعًا مع الأزمات الجيوسياسية، ويُتوقع:
هبوط في البورصات الآسيوية
ارتفاع في أسعار الذهب كملاذ آمن
زيادة أسعار النفط بسبب مخاوف من اتساع الحرب وتأثيرها على طرق الملاحة
رابعًا: هل ستدعم الصين وروسيا باكستان علنًا؟
الصين:
قد تدعم باكستان سياسيًا وماليًا، مع الامتناع عن دعم عسكري مباشر.
تحرص على الحفاظ على التوازن مع الهند، خاصةً في ظل التوتر الحدودي في لاداخ.
روسيا:
تميل إلى سياسة “الحياد النشط”، مع إمكانية تقديم دعم لوجستي أو معلومات استخباراتية.
كلا القوتين تفضلان تجنب اندلاع حرب شاملة، لكنهما مستعدتان لتعزيز موقع باكستان إذا كانت الهند من بدأت العدوان.
خامسًا: السيناريوهات المستقبلية لتأثير الحرب على التجارة
السيناريوالتأثير على باكستانالتأثير الإقليميالتأثير العالميحرب محدودةخسائر مالية، دعم صيني–روسي محدوداضطراب في التجارة الآسيويةصعود أسعار النفط والذهب مؤقتًاحرب شاملةانهيار اقتصادي شبه كاملانهيار CPEC، اضطراب جنوب آسياأزمة اقتصادية عالمية مؤقتةحل دبلوماسي سريعانتعاش نسبي بدعم خارجيتعزيز دور الصين كوسيطهدوء في الأسواق وتعزيز الاستثمار.
إن اندلاع حرب مفتوحة بين الهند وباكستان لا يهدد فقط السلام في جنوب آسيا، بل يضرب في عمق التجارة الإقليمية والاقتصاد العالمي. وموقع باكستان الحساس كدولة محورية في مشاريع الطاقة والنقل بين الشرق والغرب يجعل من استقرارها الاقتصادي أولوية إقليمية.
في هذا السياق، ستكون العلاقات مع الصين وروسيا بمثابة شريان دعم لباكستان، لكن هذا الدعم لن يكون بلا شروط، خاصة إذا ما تحولت الحرب إلى أزمة طويلة الأمد. وعلى العالم أن يدرك أن هذه الحرب لن تبقى على حدود كشمير، بل ستتدفق آثارها عبر أنهار السياسة والتجارة العالمية.
- للمزيد : تابع العاصمة والناس، وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك وتويتر .