تقارير

المركزي المصري يرفع رصيد الذهب إلى أكثر من مليار دولار.. لماذا تراهن مصر على المعدن الأصفر؟

في خطوة لافتة تعكس تغيرًا في استراتيجية إدارة الاحتياطي النقدي، رفع البنك المركزي المصري رصيد الذهب ضمن احتياطي النقد الأجنبي إلى أكثر من مليار دولار بنهاية أبريل 2025، وفق البيانات الرسمية الأخيرة. يأتي هذا التوجه في وقت تتزايد فيه الضغوط على الاقتصاد المصري، وسط تقلبات سعر الصرف، وتحديات سلاسل الإمداد، وارتفاع فاتورة الواردات.

قفزات متتالية في رصيد الذهب

وفقًا لأحدث بيانات البنك المركزي، ارتفع رصيد الذهب في الاحتياطي النقدي إلى نحو 1.02 مليار دولار، مقارنة بـ 789 مليون دولار في ديسمبر 2024، و655 مليون دولار في أغسطس من العام ذاته. أي أن الرصيد قفز بنحو 365 مليون دولار خلال 8 أشهر فقط، بزيادة تقترب من 56%، وهو أعلى مستوى يصل إليه منذ أكثر من عقد.

ويشكل الذهب الآن أكثر من 6.4% من إجمالي احتياطي النقد الأجنبي لمصر، الذي بلغ في أبريل نحو 40.3 مليار دولار.

لماذا تعزز مصر رصيدها من الذهب؟

يرى خبراء اقتصاديون أن توجه مصر لزيادة رصيدها من الذهب له أبعاد استراتيجية، أهمها:

1. التحوط ضد تقلبات الدولار والعملات الأجنبية

مع استمرار الضغوط على الجنيه المصري وتذبذب أسعار العملات الأجنبية، يمثل الذهب مخزنًا آمنًا للقيمة، ويمكن الاعتماد عليه وقت الأزمات لتوفير سيولة دولارية أو دعم ميزان المدفوعات.

2. تنويع مكونات الاحتياطي

تنويع مكونات الاحتياطي بين العملات والذهب والسندات الدولية يقلل من المخاطر المرتبطة بتقلبات السوق. ويُنظر إلى الذهب كأصل لا يرتبط مباشرة بقرارات السياسة النقدية للدول الكبرى مثل الفيدرالي الأمريكي.

3. تأمين الثقة في الاقتصاد

زيادة رصيد الذهب تعزز من تصنيف مصر الائتماني وتعكس التزامًا من الحكومة بتحسين مؤشرات الاستقرار المالي، ما يدعم ثقة المستثمرين الأجانب والمؤسسات الدولية.

4. الاستفادة من ارتفاع أسعار الذهب عالميًا

شهدت أسعار الذهب العالمية ارتفاعًا بنحو 13% منذ بداية 2024 وحتى منتصف 2025، ما يجعل الاستثمار فيه ذا جدوى كبيرة ضمن أصول الاحتياطي.

تأثير الذهب على الاقتصاد المصري

رغم أن رصيد الذهب لا يُستخدم في التعاملات اليومية، فإن له تأثيرًا مباشرًا على صلابة الموقف المالي للدولة:

يدعم الجنيه المصري بشكل غير مباشر عبر تقوية الاحتياطي.

يمنح مرونة في التفاوض مع الجهات الدولية (مثل صندوق النقد).

يسهم في طمأنة الأسواق في حال تعرض الدولة لصدمات مفاجئة مثل نقص الدولار أو ارتفاع الواردات.

يساعد في امتصاص الصدمات التضخمية، باعتباره أصلًا آمنًا لا يتأثر مباشرة بتقلبات العملات.

هل يمكن للذهب إحداث توازن؟

في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية، وارتفاع تكلفة الاقتراض، وتذبذب الاستثمارات، باتت البنوك المركزية في عدد من الدول النامية والناشئة -ومنها مصر- تتجه لرفع حيازاتها من الذهب.

وتؤكد الخبيرة المصرفية رشا عبد العال أن “الذهب لن يكون بديلاً كاملاً للعملة الأجنبية، لكنه يمثل صمام أمان، خاصة في الفترات التي يتراجع فيها التدفق النقدي من السياحة أو قناة السويس أو تحويلات العاملين بالخارج”.

ومع تعزيز رصيد الذهب، تصبح قدرة مصر أكبر على توفير استقرار نقدي نسبي، وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية للاقتراض قصير الأجل، لا سيما في ظل ضغط الفائدة العالمية.

نظرة مستقبلية

من المتوقع أن يواصل البنك المركزي المصري تعزيز رصيده من الذهب خلال الفترة المقبلة، مدفوعًا باستراتيجية تحوط طويلة الأجل، خاصة مع استمرار التوترات الجيوسياسية عالميًا وارتباك سلاسل الإمداد.

ويُرجح أن يصبح الذهب عنصرًا محوريًا في تركيبة الاحتياطي، لا سيما في ظل تنامي التوجه العالمي للتقليل من الاعتماد الكلي على الدولار في التجارة والاحتياطات الرسمية.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى