العملات الرقمية.. هل ستنهار “بيتكوين” أم أنها ستكون بديلاً للبنوك المركزية؟

كتبت: فاطمة إسماعيل 

في ظل التطورات المالية والتكنولوجية المتسارعة، أصبحت العملات الرقمية، وعلى رأسها “بيتكوين”، محط أنظار العالم كله. بينما يرى البعض أنها ثورة مالية ستغير مفهوم النقود وتقضي على هيمنة البنوك المركزية، يحذر آخرون من أنها فقاعة مالية على وشك الانفجار. في هذا التقرير الشامل، سنستعرض كلا الجانبين، ونحلل الأدلة المؤيدة والمعارضة لكل منهما، مع نظرة مستقبلية على دور العملات الرقمية في النظام المالي العالمي.

أولًا: بيتكوين بين الصعود والانهيار

1.1 تاريخ بيتكوين: من البداية إلى القمة

• 2009: إطلاق بيتكوين كأول عملة رقمية لامركزية بواسطة “ساتوشي ناكاموتو”.

• 2017: وصول سعر البيتكوين إلى 20 ألف دولار، ثم انهياره بنسبة 80%.

• 2021: ارتفاع غير مسبوق إلى 69 ألف دولار، مدعوماً بتبني مؤسسات كبرى مثل “تسلا”.

• 2023-2024: تقلبات حادة بين 16 ألف دولار و35 ألف دولار وسط أزمات اقتصادية عالمية.

1.2 أسباب التشكيك في مستقبل بيتكوين

أ) التقلبات الشديدة

• مثال: خسرت البيتكوين 65% من قيمتها في 2022 بعد أزمة “FTX”.

• تحليل: عدم الاستقرار يجعلها غير مناسبة كعملة يومية أو مخزن للقيمة.

ب) القيود التنظيمية

• حظر كامل: الصين، الجزائر، مصر (بشكل جزئي).

• تشديد الرقابة: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يفرضان ضرائب واشتراطات صارمة.

ج) مخاطر أمنية

• اختراق البورصات: مثل اختراق “Mt. Gox” 2014 (خسارة 850 ألف بيتكوين).

• احتيال وتلاعب: 30% من مشاريع العملات الرقمية في 2021 كانت احتيالية (حسب “Chainalysis”).

ثانيًا: بيتكوين كبديل للبنوك المركزية

2.1 لماذا يعتبر البعض بيتكوين تهديداً للبنوك المركزية؟

أ) اللامركزية

• لا سيطرة حكومية: لا يمكن للبنوك المركزية طباعة بيتكوين أو تجميد حسابات المستخدمين.

• الشفافية: سجل المعاملات (Blockchain) مفتوح للجميع.

ب) الحماية من التضخم

• عدد محدود: 21 مليون بيتكوين فقط، مقارنةً بعملات ورقية يمكن طباعتها بلا حدود.

• مثال: في ظل تضخم الدولار 8% عام 2022، ارتفعت البيتكوين 150% من أدنى مستوى لها.

ج) تبني مؤسساتي متزايد

• شركات كبرى: “مايكروستراتيجي” تمتلك 158 ألف بيتكوين.

• دول: السلفادور جعلت البيتكوين عملة قانونية منذ 2021.

2.2 تحديات التحول إلى بديل حقيقي

أ) عدم القبول على نطاق واسع

• 3% فقط من المتاجر العالمية تقبل البيتكوين (2024).

• بطء المعاملات: 7 معاملات/ثانية مقابل 24 ألف معاملة/ثانية في “Visa”.

ب) استهلاك الطاقة

• معدل استهلاك: يعادل استهلاك دولة مثل الأرجنتين (100 تيرا وات/ساعة سنوياً).

• انتقادات بيئية: تسبب تعدين البيتكوين في انبعاث 65 مليون طن CO₂ عام 2023.

ثالثًا: مقارنة بين بيتكوين والعملات التقليدية

3.1 إيجابيات وسلبيات بيتكوين مقابل الدولار

3.2 هل يمكن التعايش؟ نموذج العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)

• ما هي؟: عملات رقمية تصدرها البنوك المركزية (مثل اليوان الرقمي، الدولار الرقمي).

• الفرق عن بيتكوين: مركزية، مرتبطة بالعملة الورقية، أسرع، أكثر استقراراً.

• التداعيات: قد تقلل من هيمنة بيتكوين إذا انتشرت.

رابعًا: آراء الخبراء والمستقبل المتوقع

4.1 رأي المؤيدين

• “مايكل سايلور” (خبير البيتكوين): “ستصل إلى 250 ألف دولار بحلول 2030”.

• “جاك دورسي” (مؤسس تويتر): “ستصبح العملة العالمية بحلول 2035”.

4.2 رأي المشككين

• “وارن بافيت”: “البيتكوين لا تنتج أي شيء، مجرد مقامرة”.

• “نوريل روبيني”: “ستنهار إلى صفر بسبب القيود التنظيمية”.

4.3 السيناريوهات المستقبلية

أ) السيناريو الصعودي (بديل للبنوك المركزية)

• تبني واسع من الحكومات.

• حل مشاكل السرعة والطاقة.

• وصول السعر إلى 100 ألف دولار+.

ب) السيناريو الانهيار (فقاعة)

• حظر عالمي.

• انهيار الثقة بعد اختراق كبير.

• عودة السعر إلى أقل من 10 آلاف دولار.

ج) السيناريو الوسطي (أصل مكمل)

• بقاء بيتكوين كأصل استثماري (مثل الذهب الرقمي).

• تعايش مع العملات التقليدية وCBDCs.

 المعركة بين الثورة المالية والواقع الاقتصادي

بيتكوين والعملات الرقمية تمثل واحدة من أعظم التجارب المالية في القرن الحادي والعشرين. بينما تقدم مزايا ثورية مثل:

• التحرر من سيطرة البنوك المركزية

• الحماية من التضخم

• الشفافية المالية

إلا أنها تواجه تحديات وجودية:

• التقلب الشديد

• القيود الحكومية

• مشاكل تقنية

السيناريو الأرجح هو تعايش بيتكوين كأصل استثماري وعملة بديلة، دون أن تحل كلياً محل النظام المالي التقليدي. ومع ذلك، فإن تأثيرها على العالم المالي قد يكون دائمًا، حيث أجبرت البنوك المركزية والحكومات على إعادة التفكير في سياساتها النقدية.