قضايا ومتابعات

رحلة الآثار المسروقة: كنوز مفقودة في مزادات علنية تباع وتشترى كبضائع

كتبت: رنيم شكري

في قاعات الليل الباردة بمخازن متاحف أوروبا، أو خلف واجهات مزادات علنية في نيويورك وباريس، تستقر قطع أثرية تحمل في تفاصيلها روح حضارات عريقة. هنا، بين زجاج الواجهات وأرقام الكتالوجات، تكتمل مأساة سرقة عمرها قرون.

آثار مصر والمغرب والعراق تُباع وتُشترى كبضائع، بينما تنتظر بلادها اللحظة التي تعود فيها هذه الكنوز إلى حيث تنتمي.

مصر: معركة الفراعنة الطويلة
منذ حملة نابليون على مصر في القرن الثامن عشر، بدأت رحلة نهب منهجي لآثار البلاد. حجر رشيد، الذي فكّ شامبليون رموزه، غادر الإسكندرية إلى لندن، وأصبح أيقونة في المتحف البريطاني. لكن القصة لا تنتهي عند هذا الحجر.

عشرات الآلاف من القطع المصرية، من تماثيل صغيرة إلى توابيت مذهبة، تتناثر اليوم في متاحف خاصة وعامة حول العالم.

في السنوات الأخيرة، كثفت مصر جهودها القانونية لاستعادة تراثها. ففي 2021، أعيد تمثال الكاتب “نفر” من فرنسا بعد معركة قضائية طويلة، بينما نجحت في استرداد 5000 قطعة من الولايات المتحدة بين 2016 و2020. لكن التحدي الأكبر يبقى في القطع “المشروعة” وفق قوانين دولية قديمة، مثل مسلة كليوباترا في نيويورك، التي خرجت بموافقة الخديوي إسماعيل في القرن التاسع عشر!

المغرب: ذاكرة الأندلس المبعثرة
قد لا تحظى الآثار المغربية بنفس الضجة الإعلامية، لكن سرقتها كانت ممنهجة خلال فترات الاستعمار الفرنسي والإسباني. مخطوطات عربية نادرة، تحف خشبية من عصر المرينيين، وحتى زخارف مسجدية، وجدت طريقها إلى مجموعات خاصة. في 2012، استعاد المغرب 25 ألف قطعة أثرية من فرنسا، بعضها يعود إلى حقبة ما قبل التاريخ.

لكن المعركة هنا أكثر تعقيدًا. فالكثير من الكنوز المغربية هُرّبت عبر شبكات تهريب دولية، وبيعت في السوق السوداء. اليوم، تعتمد الرباط على التعاون مع الإنتربول، وتقنيات التتبع الرقمي، لإثبات ملكية القطع المسروقة.

العراق: جرح ما بعد الغزو
بعد 2003، تحولت المتاحف العراقية إلى ساحات نهب مفتوحة. وفق اليونسكو، سُرق أكثر من 15 ألف قطعة من المتحف الوطني ببغداد وحده، بعضها يعود إلى سومر وبابل. بعض هذه القطع، مثل لوحة “ملكة الليل” البابلية، بيعت بملايين الدولارات في السوق السوداء.

لكن العراق بدأ يكتب فصلاً جديدًا من الانتصارات. ففي 2021، استعاد 17 ألف قطزة من الولايات المتحدة، بما فيها ألواح طينية تحمل نصوصًا من ملحمة جلجامش. وفي خطوة رمزية، أعادت بريطانيا عام 2019 رقيمات طينية مسروقة كانت معروضة في متحف الكتاب المقدس!

الطريق إلى البيت
رغم النجاحات الجزئية، تبقى المعركة طويلة. القوانين الدولية، مثل اتفاقية اليونسكو 1970، تضع عقبات أمام الدول المطالبة، خاصة إذا خرجت القطع قبل هذا التاريخ. كما أن بعض المتاحف العالمية ترفض الاستجابة بحجة أن هذه الآثار “تراث إنساني” يجب أن يبقى في متاحفها!

لكن روح الحضارات لا تُقسم. فوراء كل قطعة مسروقة، هناك قصة شعب، وذاكرة مكان. ربما يأتي اليوم الذي تعود فيه هذه الكنوز إلى حيث نحتتها أيادي الأجداد، لتحكي للأحفاد أن بعض الجروح، رغم عمقها، يمكن أن تلتئم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى