خفايا التردد الإسرائيلي وأسرار الاستعداد الأمريكي لضرب المنشآت النووية الإيرانية

كتبت: فاطمة إسماعيل
يشكل البرنامج النووي الإيراني واحدًا من أكثر القضايا الأمنية حساسية في الشرق الأوسط والعالم، إذ ترى إسرائيل والولايات المتحدة أن تطوير إيران لقدرات نووية عسكرية يمثل تهديدًا وجوديًا لهما وللمنطقة بأسرها. على مدار السنوات الماضية، تكررت التصريحات والتهديدات بضرب المنشآت النووية الإيرانية، لكن حتى الآن لم تنفذ إسرائيل أو الولايات المتحدة ضربة عسكرية مباشرة ضد البرنامج النووي الإيراني. في هذا التقرير نستعرض أسباب ضياع فرص الضربة الإسرائيلية، والتفاصيل المتعلقة باستعداد الولايات المتحدة لأي عمل عسكري محتمل ضد إيران.
1. خلفية البرنامج النووي الإيراني والتهديد الإسرائيلي
بدأت إيران برنامجها النووي في الثمانينات، وازدادت وتيرته بشكل ملحوظ في العقدين الأخيرين. تعتقد إسرائيل والولايات المتحدة أن الهدف النهائي لإيران هو تطوير قنبلة نووية عسكرية، وهو ما تنفيه طهران رسميًا، مؤكدة أن البرنامج لأغراض سلمية.
إسرائيل، التي ترى في إيران عدواً رئيسياً ومصدر تهديد وجودي، اعتبرت الضرب العسكري خياراً استراتيجياً في أكثر من مناسبة. تم دعم هذا الرأي من جهات داخل الجيش الإسرائيلي والاستخبارات التي قدّرت أن الوقت حاسم لمنع إيران من الوصول إلى نقطة اللاعودة.
2. أسباب ضياع فرص الضرب الإسرائيلي لقدرات إيران النووية
أ. تعقيدات الموقف الجغرافي والعسكري
-
تموضع المنشآت النووية: استخدمت إيران أساليب متقدمة في حماية منشآتها النووية، من خلال بنائها تحت الأرض وفي مناطق مأهولة بالسكان، مما يصعب ضربها بدون خسائر مدنية كبيرة.
-
التغطية الجوية الدفاعية: تمتلك إيران منظومات دفاع جوي متطورة، بعضها روسي الصنع، بالإضافة إلى منظومات مضادة للطائرات المسيّرة، ما يزيد من تعقيد أي هجوم جوي إسرائيلي.
ب. الضغوط الدولية والالتزامات الدبلوماسية
-
إسرائيل لم تكن ترغب في خوض عمل عسكري منفرد بدون دعم أمريكي واضح، لكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 2015 (اتفاق النووي الإيراني) كانت تميل إلى الحلول الدبلوماسية، مما حد من خيارات إسرائيل.
-
المخاوف من التصعيد الشامل في المنطقة كان عاملًا كبيرًا، خصوصاً أن أي هجوم على إيران قد يثير ردود فعل من وكلاء إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
ج. التوقيت السياسي والاعتبارات الداخلية
-
الظروف السياسية في إسرائيل: شهدت إسرائيل فترات من عدم الاستقرار السياسي، وتغيرات حكومية متكررة، ما أثر على اتخاذ قرارات حاسمة وجريئة.
-
الحسابات الإقليمية: التوترات مع دول عربية أخرى ومساعي التطبيع لعبت دورًا في تقليل المخاطر المرتبطة بعمل عسكري، فكان التردد ملحوظاً بسبب الحاجة للحفاظ على استقرار العلاقات الإقليمية الجديدة.
د. قلق إسرائيل من رد فعل إيران
-
التهديد برد عسكري إيراني مباشر على إسرائيل أو عبر وكلائها مثل حزب الله كان رادعًا رئيسيًا. فإيران تملك ترسانة من الصواريخ الباليستية وقوات مدربة، مما قد يجعل الرد مؤلمًا ومكلفًا لإسرائيل.
3. استعدادات الولايات المتحدة لأي ضرب عسكري محتمل ضد إيران
أ. الأهداف المحتملة للضربة الأمريكية
-
استهداف المنشآت النووية الإيرانية، خصوصاً تلك التي تركز على تخصيب اليورانيوم وتطوير أجهزة الطرد المركزي.
-
تدمير مخازن الأسلحة والبنى التحتية التي قد تُستخدم لتطوير أسلحة دمار شامل.
-
تعطيل الشبكات التي تدعم البرامج الصاروخية والتسليح في الوكلاء الإقليميين.
ب. القدرات العسكرية الأمريكية في المنطقة
-
نشر قواعد عسكرية بحرية وجوية في الخليج العربي، والعراق، والأردن، والسعودية، ما يسمح بعملية تنفيذ سريعة وفعالة.
-
وجود حاملات طائرات وقوات خاصة وأنظمة قصف دقيقة متطورة تمكن من استهداف المنشآت بدقة مع تقليل الخسائر المدنية.
ج. سيناريوهات العمل العسكري المحتملة
-
الضربة الجوية المباشرة: موجة من الغارات الجوية المركزة على منشآت نووية محددة.
-
عمليات استخباراتية سرية: دعم القوات الخاصة لإجراء عمليات تخريبية داخل إيران.
-
ضربات صاروخية دقيقة: من خلال منصات بحرية وجوية لتدمير المواقع الحساسة.
د. التحديات التي تواجه الضربة الأمريكية
-
الرد الإيراني المحتمل عبر وكلائه، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد أوسع يشمل العراق ولبنان وسوريا.
-
التأثير على حركة الملاحة في مضيق هرمز، الذي يشكل شريانًا حيويًا لإمدادات النفط العالمي.
-
التأثير السياسي والاقتصادي على أسعار النفط والاستقرار الإقليمي والعالمي.
4. أسباب التردد في تنفيذ الضربة من قبل أمريكا
-
الرغبة في إعطاء فرص للوساطات الدبلوماسية والضغط الاقتصادي لاستنزاف قدرات إيران.
-
المخاوف من حرب إقليمية طويلة ومكلفة.
-
الانشغال الأمريكي بقضايا عالمية أخرى، من بينها المنافسة مع الصين وروسيا، ما يقلل الأولوية للملف الإيراني.
5. دور المخابرات والاستخبارات في رسم ملامح القرار
-
وجود معلومات استخباراتية دقيقة مكنت من رصد تطورات البرنامج النووي الإيراني، ولكنها كشفت أيضاً مدى تعقيد المنظومة الدفاعية الإيرانية.
-
استخدمت الولايات المتحدة وإسرائيل تلك المعلومات لتقييم جدوى وجدوى تنفيذ ضربة عسكرية.
6. التداعيات المحتملة لأي ضربة على المنطقة والعالم
-
احتمال تصعيد كبير قد يشمل حروباً بالوكالة في عدة دول عربية.
-
تدفق اللاجئين وأزمة إنسانية محتملة.
-
اضطرابات في سوق النفط العالمي وارتفاع أسعار الطاقة.
في الختام، يظهر أن ضياع فرص ضرب إسرائيل لقدرات إيران النووية يعود إلى تعقيدات عسكرية وجغرافية، اعتبارات سياسية داخلية وإقليمية، وضغوط دولية، بالإضافة إلى التحديات الاستراتيجية التي تواجه مثل هذه الضربات. في المقابل، تستعد الولايات المتحدة لمواجهة هذه التحديات عبر تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، مع استمرار الموازنة بين الضغوط العسكرية والدبلوماسية.
يبقى الملف الإيراني النووي من القضايا الشائكة التي لا تزال تلقي بظلالها على الأمن الإقليمي والعالمي، ويتطلب تعاملاً حذراً ومتوازناً بين مختلف الأطراف.
للمزيد : تابع العاصمة والناس، وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك وتويتر