ترامب في الشرق الأوسط.. زيارة أم تجارة؟ مكاسب واشنطن من الشراكة إلى الهيمنة

كتبت: فاطمة إسماعيل
شهدت العاصمة السعودية الرياض واحدة من أبرز الزيارات الرئاسية الأمريكية إلى منطقة الخليج، حيث حلّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضيفًا على المملكة العربية السعودية في أول محطة من جولته الإقليمية الأولى في الشرق الأوسط منذ توليه الرئاسة، جاءت الزيارة لتكريس مرحلة جديدة من الشراكة الإستراتيجية، وخصوصًا على الصعيد الاقتصادي، في ظل التحديات الجيوسياسية المتسارعة، والتحولات في سوق الطاقة والتكنولوجيا.
في هذا السياق، أبرمت الولايات المتحدة والمملكة مجموعة واسعة من الاتفاقيات الاقتصادية، تُقدر قيمتها الإجمالية بأكثر من 600 مليار دولار، في مجالات الطاقة، الصناعة، الدفاع، التكنولوجيا، والتصنيع المشترك. ويمثل ذلك دفعة هائلة للاقتصاد الأمريكي، ويطرح تساؤلات حول طبيعة هذه المكاسب وامتداداتها الاستراتيجية.
أولًا: تعزيز الصادرات الأمريكية – نقلة نوعية في الصناعات الثقيلة
أحد أبرز مكاسب واشنطن من هذه الاتفاقيات هو فتح سوق ضخم للصناعات الأمريكية، لا سيما في مجالات:
-
النفط والطاقة المتجددة:
شركات أمريكية مثل “إكسون موبيل”، و”شيفرون”، و”جنرال إلكتريك” أبرمت عقودًا لتقديم خدمات استشارية وتكنولوجية في مجالات استخراج النفط، الرقمنة، وتحسين كفاءة الطاقة، إلى جانب مشاريع مشتركة للطاقة الشمسية. هذه المشاريع توفر آلاف فرص العمل للأمريكيين، وتدعم قطاعات البحث والتطوير في الطاقة النظيفة. -
التكنولوجيا المتقدمة والتحول الرقمي:
اتفاقيات مع شركات مثل “مايكروسوفت” و”أوراكل” و”أمازون ويب سيرفيسز” (AWS) لتقديم بنى تحتية سحابية وتحليلات ذكاء اصطناعي لمؤسسات سعودية ضمن رؤية المملكة 2030. وهو ما يوسع نفوذ الشركات الأمريكية في السوق التكنولوجية العربية، ويؤمّن لها عقودًا طويلة الأجل. -
التصنيع العسكري المشترك:
اتفاقية تجميع 150 طائرة من طراز “بلاك هوك S-70” داخل المملكة، بترخيص من “لوكهيد مارتن”، تُعد إنجازًا صناعيًا واقتصاديًا مزدوجًا؛ إذ تضمن تصدير التكنولوجيا مع احتفاظ الشركات الأمريكية بالعوائد المالية، وتضمن للسعودية تصنيعًا جزئيًا محليًا ضمن إطار التوطين.

ثانيًا: تعزيز الوظائف والنمو المحلي في أمريكا
بحسب تصريحات مسؤولي وزارة التجارة الأمريكية خلال الزيارة، فإن الاتفاقيات ستسهم في:
-
خلق أكثر من 250 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة في ولايات صناعية مثل تكساس، ميشيغان، وألاباما، حيث تنتشر مصانع شركات الدفاع والطاقة.
-
رفع الناتج المحلي الأمريكي بما يصل إلى 0.3% سنويًا بفعل الصادرات المتوقعة، وارتفاع الطلب على الخدمات التقنية والاستشارية الأمريكية.
-
تنشيط مراكز البحث والتطوير، خاصة في الصناعات الدقيقة، الذكاء الاصطناعي، وأمن المعلومات، حيث تلتزم بعض الشركات الأمريكية بتقديم حلول ذكية لمؤسسات سعودية حكومية وتجارية.
ثالثًا: تحجيم النفوذ الصيني والروسي في المنطقة
من أبرز الأهداف غير المعلنة للاتفاقيات الاقتصادية هو احتواء النفوذ المتزايد لكل من الصين وروسيا في منطقة الخليج، حيث كانت شركات صينية تحاول الحصول على مشاريع البنية التحتية والطاقة.
زيارة ترامب جاءت لتؤكد أن أمريكا “عائدة بقوة” إلى الشرق الأوسط اقتصاديًا، ليس فقط سياسيًا أو أمنيًا. ومن خلال العقود التي حظيت بها شركات أمريكية، يتم تقليص فرص المنافسين الجيوسياسيين في التغلغل داخل الاقتصادات الخليجية.
رابعًا: تدعيم مكانة الدولار والهيمنة النقدية
الاتفاقيات تمّت جميعها بالدولار الأمريكي، ما يعني:
-
زيادة الطلب على الدولار في التعاملات النفطية والاقتصادية.
-
دعم قيمة الدولار أمام العملات الأخرى.
-
تقويض محاولات بعض الدول لتقليل الاعتماد على الدولار، ومنها الصين وروسيا وإيران.

خامسًا: تقوية التحالفات الجيوسياسية من خلال الاقتصاد
الاتفاقيات لم تكن اقتصادية فحسب، بل حملت طابعًا استراتيجيًا طويل المدى:
-
منح الشركات الأمريكية الأفضلية في المناقصات السعودية حتى عام 2035.
-
تفاهمات حول حماية الاستثمارات الأمريكية داخل المملكة، وهو ما يعزز بيئة الأعمال للمستثمر الأمريكي.
-
ربط خطط السعودية الاقتصادية مع الخبرات والمؤسسات الأمريكية، لا سيما في التعليم، الصحة، والأمن الغذائي، بما يجعل واشنطن جزءًا من “رؤية السعودية 2030”.
سادسًا: التأثير على أسعار الطاقة عالميًا
من خلال التنسيق بين واشنطن والرياض، هناك هدف غير معلن يتجلى في:
-
ضبط سوق النفط لضمان استقرار الأسعار عند مستوى يخدم المنتجين الأمريكيين (خاصة النفط الصخري).
-
تنسيق الاستثمارات المشتركة في مصافي تكرير أمريكية وسعودية.
-
تعاون طويل الأمد في الأمن السيبراني لمنشآت الطاقة، مما يعزز أمن قطاع الطاقة الأمريكي أيضًا.
سابعًا: تفعيل “القوة الناعمة” الأمريكية
الشراكات الاقتصادية مع السعودية أعادت التأكيد على أن:
-
الولايات المتحدة لا تزال الشريك الاقتصادي الأول لدول الخليج.
-
أمريكا مستعدة لتقديم الدعم التقني والمالي مقابل الشراكة السياسية.
-
واشنطن تعتمد استراتيجية “الاقتصاد أولًا” في تعزيز نفوذها الخارجي.
ثامنًا: تأثيرات سياسية داخلية في أمريكا
تأتي هذه المكاسب في وقت حساس داخليًا:
-
إدارة ترامب تسعى لإثبات نجاح أجندتها الخارجية أمام الناخب الأمريكي.
-
الاتفاقيات تعزز ثقة الأسواق، خاصة في أسهم شركات الدفاع والتكنولوجيا.
-
تسهم النتائج في دعم حظوظ ترامب الانتخابية داخل الولايات الصناعية.
زيارة الرئيس ترامب إلى السعودية في مايو 2025 لم تكن مجرد زيارة بروتوكولية، بل كانت محورًا لتحالف اقتصادي ضخم يتجاوز الأرقام المعلنة. فبينما حظيت الولايات المتحدة بعقود تقدر بمئات المليارات، فإنها أيضًا ضمنت تموضعًا استراتيجيًا في أكثر مناطق العالم حيوية. هذه الاتفاقيات تُظهر أن الاقتصاد هو سلاح واشنطن الجديد في تثبيت نفوذها العالمي، وأن الشراكات مع الخليج، خصوصًا السعودية، لا تزال حجر الزاوية في الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
- للمزيد : تابع العاصمة والناس، وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك وتويتر .