قضايا ومتابعات

وفاة يوسف لاعب الكاراتيه تفتح ملف “سبوبة” الطب الرياضي في اتحادات مصر

كتبت: رنيم شكري

أمرت النيابة العامة المصرية، أمس الخميس، بإحالة ثلاثة من كبار مسؤولي الاتحاد المصري للكاراتيه إلى محكمة الجنح المختصة، لاتهامهم بالتسبب خطأً في وفاة اللاعب الشاب يوسف أحمد (17 عامًا) خلال بطولة الجمهورية للناشئين بالإسكندرية، في واقعة أثارت الرأي العام في مصر، وسببت جدلًا واسعًا في البلاد.

وأحالت النيابة العامة المتهمين الثلاثة وهم: رئيسة اللجنة الطبية بالاتحاد، ورئيس منطقة الإسكندرية للكاراتيه، ورئيس لجنة المسابقات إلى محكمة الجنح المختصة، حيث أرجعت التحقيقات الوفاة إلى إهمال فادح في توفير الرعاية الطبية اللازمة.

وفي 9 فبراير الماضي أصيب يوسف أحمد، لاعب كاراتيه واعد، بضربة قوية قرب القلب أثناء مباراة في بطولة الجمهورية، وبحسب التحقيقات، تسبب غياب الرعاية الطبية الفورية في تدهور حالته، مما أدى إلى نقص تدفق الدم إلى المخ ودخوله في غيبوبة استمرت 41 يومًا، انتهت بوفاته في 21 مارس 2025.

كشفت التحقيقات عن مخالفات جسيمة ارتكبها المتهمون، تضمنت انتهاك قرار وزير الشباب والرياضة رقم 1643 لسنة 2024، الذي يلزم توفير طاقم طبي مؤهل ومعدات إسعاف متقدمة.

ومن أبرز المخالفات، إسناد الرعاية الطارئة لأطباء غير مرخصين، وتخصص رئيسة اللجنة الطبية في النساء والتوليد، وهو بعيد عن متطلبات الرياضات القتالية، وعدم توفير جهاز الصدمات القلبية الأوتوماتيكي في موقع البطولة، والتعاقد مع شركة إسعاف غير مرخصة، بالمخالفة لتعليمات الاتحاد.

وأوصت النيابة لمنع تكرار مثل تلك الواقعة بضرورة الالتزام بقرار وزير الشباب والرياضة لتوفير أطباء متخصصين في الحالات الحرجة، والتحقق من الملفات الطبية لللاعبين قبل المشاركة، والتعاقد مع شركات إسعاف مرخصة من هيئة الإسعاف المصرية، واختيار رؤساء اللجان الطبية بناءً على الكفاءة والتخصص المناسب.

وأثارت الواقعة استياءً واسعًا بين الرياضيين وأولياء الأمور، الذين طالبوا بمحاسبة صارمة وإصلاحات جذرية في إدارة البطولات الرياضية. وقال والد اللاعب في تصريح مؤثر: «فقدنا يوسف بسبب إهمال لا يغتفر، كان يمكن إنقاذه لو توفرت سيارة إسعاف مجهزة».

في الوقت الذي أصبحت فيه الرياضة صناعة ضخمة تعتمد على أحدث التقنيات الطبية والبرامج التأهيلية الدقيقة، لا يزال الطب الرياضي في مصر يعاني من أوجه قصور خطيرة، لا تتوقف عند حدود نقص الإمكانيات أو غياب الأجهزة الحديثة، بل تمتد إلى ما هو أخطر: الفساد الإداري، التسيب، والتخلف العلمي.

عدد كبير من العيادات التي تزعم تقديم “طب رياضي” تعمل دون تراخيص معتمدة من الجهات الرسمية. وبعض من يُطلق عليهم “أطباء تأهيل” لا يحملون شهادات تخصصية في المجال من الأساس، بل اكتفوا بدورات تدريبية سريعة، ويتم الاعتماد عليهم في حالات إصابات خطيرة.

غياب الرقابة يفتح المجال لارتكاب أخطاء طبية جسيمة بحق الرياضيين. وهناك شكاوى موثقة ضد بعض الأطباء الذين تسببوا في تفاقم إصابات نجوم معروفين بسبب قرارات طبية عشوائية.

تحول الطب الرياضي في مصر من مهنة هدفها الحفاظ على سلامة اللاعبين، إلى باب واسع للتربح السريع. أسعار الجلسات العلاجية والتأهيلية أصبحت خيالية في بعض المراكز الخاصة، بينما لا تقدم خدمات تليق بتلك التكلفة. حتى في الأندية الكبرى، أصبحت عقود الشركات الراعية للخدمات الطبية تُمنح أحيانًا بناءً على العلاقات، لا الكفاءة.

عند مقارنة مصر بدول مثل المغرب أو حتى تونس، نجد فرقًا واضحًا في مستوى الطب الرياضي. اللاعب المغربي المصاب يتم تأهيله بأحدث الأجهزة وفق خطة علاجية محكمة بإشراف فريق متخصص، بينما في مصر، يُترك اللاعب ضحية لاجتهادات فردية، أو يُعاد بسرعة إلى الملاعب فيصاب مجددًا.

النتيجة؟ فقدان مواهب، هبوط مستوى المنتخبات، وتراجع في تصدير اللاعبين للخارج، بسبب الصورة السيئة عن الرعاية الطبية في الملاعب المصرية.

العالم يتحدث الآن عن “الطب الرياضي الوقائي”، عن أجهزة الذكاء الاصطناعي التي تتنبأ بالإصابات قبل وقوعها، وعن اختبارات بيوميكانيكية تُجرى للاعبين قبل كل موسم. في المقابل، لا تمتلك مصر مركزًا وطنيًا متخصصًا لأبحاث الطب الرياضي، ولا قاعدة بيانات موحدة لمتابعة إصابات الرياضيين ومعدلات تعافيهم. غياب العلم يجعل كل إصابة كأنها تحدث لأول مرة.

رغم وجود بعض المحاولات لإصلاح المنظومة، مثل اقتراحات بإنشاء هيئة مستقلة للطب الرياضي تراقب الأداء في جميع الأندية، وتفرض معايير محددة للتراخيص، فإنها غالبًا ما تصطدم بجدار البيروقراطية والمصالح الخاصة.

الأطباء الأكفاء يشتكون من غياب فرص التطوير، وشهاداتهم العليا لا تُقدَّر كما ينبغي، في الوقت الذي يُستدعى فيه “المعالج الشعبي” أو “الخبير بالأعشاب” لعلاج لاعب محترف تحت ضغط إداري أو إعلامي.

الطب الرياضي ليس رفاهية، بل جزء لا يتجزأ من منظومة صناعة الرياضة الحديثة. استمرار الفساد والتخلف في هذا المجال يعني مزيدًا من النجوم المهدورة، والمواهب الضائعة، والميداليات التي تضيع قبل أن تُحسم. إن الإصلاح الجاد يبدأ من الاعتراف بالمشكلة، والتوقف عن تجميل الواقع، والبدء بخطوات علمية عملية، تضمن مستقبلًا أفضل للرياضة المصرية.

زر الذهاب إلى الأعلى