اقتصادمصر

من النفايات إلى الثروات.. كيف تسهم تجارة الخردة في دعم الاقتصاد المصري؟

 

كتبت: فاطمة إسماعيل 

في قلب الأسواق العشوائية والمناطق الصناعية، وداخل الورش الصغيرة والمصانع الكبرى، تنشط واحدة من أهم وأقدم الصناعات في مصر: تجارة الخردة. من الحديد الصدئ إلى الأجهزة التالفة، تتحول النفايات إلى ذهب اقتصادي، تدور بها عجلة الصناعة، وتُفتح من خلالها فرص عمل، وتُعاد فيها تدوير الموارد لصالح البيئة والاقتصاد.
تشير التقديرات إلى أن استثمارات قطاع الخردة في مصر تتجاوز 100 مليار جنيه سنويًا، ما يضعه ضمن القطاعات الحيوية ذات التأثير الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الواسع.

 أولًا: تعريف تجارة الخردة وأنواعها

 الخردة

الخردة هي كل ما يتم التخلص منه من مواد معدنية أو غير معدنية بعد انتهاء عمرها الافتراضي، ويمكن إعادة تدويرها أو إعادة استخدامها. تشمل:

  • الخردة المعدنية: حديد، نحاس، ألومنيوم، رصاص، زنك.

  • الخردة الإلكترونية: أجهزة كمبيوتر، موبايلات، أدوات كهربائية.

  • خردة السيارات: هياكل سيارات، محركات، بطاريات.

  • خردة البلاستيك والخشب والورق: وتستخدم في صناعات تحويلية متعددة.

ثانيًا: حجم التجارة وأهميتها الاقتصادية

نمو استثماري كبير:

تشير الإحصائيات إلى أن حجم سوق الخردة في مصر يتجاوز 100 مليار جنيه سنويًا، موزعة على عشرات الآلاف من التجار والوسطاء والمصانع والموردين، وتشمل:

  • مصانع صهر الحديد وإنتاج المعادن التي تعتمد بنسبة كبيرة على الخردة كمادة خام.

  • شركات إعادة التدوير في مجال الإلكترونيات والبلاستيك.

  • مصانع قطع الغيار التي تستخدم مكونات معاد تدويرها.

فرص عمل بالملايين:

تقدر الجهات غير الرسمية أن هذا القطاع يوفر أكثر من مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في مصر، تشمل:

  • جامعي الخردة من الشوارع (الزبالين).

  • عمال فرز وتقطيع وتشكيل.

  • أصحاب ورش ومعامل ومقاولين.

ثالثًا: سلاسل القيمة في تجارة الخردة

رحلة الخردة من الشارع إلى المصنع:

  1. الجمع الأولي: عبر الزبالين والمواطنين وبعض الجمعيات.

  2. البيع لتجار الخردة الصغار: يفرزون المواد الأولية ويصنفونها.

  3. الانتقال إلى التجار الكبار أو الورش: حيث تُفرز الخامات بدقة.

  4. النقل للمصانع: لإعادة التدوير أو الاستخدام كمادة خام.

حلقات الاقتصاد الدائري:

الخردة تُعيد تعريف الإنتاج والاستهلاك عبر:

  • تقليل الاعتماد على المواد الخام المستوردة.

  • خفض التكلفة البيئية.

  • دعم الابتكار في التصنيع المحلي.

رابعًا: التحديات التي تواجه تجارة الخردة في مصر

1. غياب التشريعات المنظمة

لا توجد حتى الآن منظومة قانونية متكاملة لتنظيم هذا السوق الضخم، ما يفتح الباب أمام العشوائية والممارسات غير القانونية.

2. الاقتصاد الموازي

جزء كبير من تجارة الخردة يتم خارج الإطار الرسمي للدولة، ما يحرم الحكومة من إيرادات ضريبية ضخمة.

3. ضعف البنية التحتية

قلة الورش المؤهلة، وغياب مراكز تجميع رسمية، ونقص معدات المعالجة الحديثة.

4. مشاكل النقل والتخزين

الخردة تحتاج لمساحات تخزين كبيرة ووسائل نقل آمنة، وهو ما يفتقر إليه معظم التجار.

5. التلوث البيئي

بعض عمليات تفكيك أو صهر الخردة تتم بشكل بدائي، ما يسبب تلوثًا بيئيًا كبيرًا.

خامسًا: جهود الدولة نحو تنظيم القطاع

1. التحول إلى الاقتصاد الدائري

تبنّت مصر مؤخرًا سياسات تدعم إعادة التدوير وتقليل النفايات كجزء من استراتيجية التنمية المستدامة.

2. مشروعات تدوير القمامة

تم إطلاق مشروعات حكومية وخاصة لجمع وتصنيف ومعالجة النفايات.

3. التوسع في المدن الصناعية المتخصصة

يُخطط لإنشاء مناطق صناعية مخصصة لتدوير الخردة بمعايير بيئية وصناعية حديثة.

4. دعم رواد الأعمال

ظهور مشروعات صغيرة ومتوسطة قائمة على تدوير الخردة (مثال: مشاريع إعادة تدوير البلاستيك والمعادن).

سادسًا: تجارب ناجحة في تدوير الخردة

1. مصنع حديد المصريين

يعتمد بشكل أساسي على خردة الحديد لصناعة منتجاته، وحقق اكتفاءً شبه ذاتي من المواد الخام.

2. شركة “ريفيوز” لإعادة تدوير الإلكترونيات

تعمل على جمع وفصل المكونات الإلكترونية الثمينة (ذهب، نحاس، ليثيوم) من الأجهزة القديمة.

3. مشروعات مجتمعية

مبادرات أهلية في المناطق العشوائية تعمل على تدوير المخلفات وتحويلها إلى منتجات قابلة للبيع.

سابعًا: الفرص الاستثمارية في تجارة الخردة

1. تحويل القطاع غير الرسمي إلى رسمي

من خلال تسجيل التجار وإتاحة حوافز ضريبية، يمكن ضم آلاف الكيانات غير المرخصة إلى الاقتصاد الرسمي.

2. التكنولوجيا والرقمنة

إنشاء منصات إلكترونية لبيع وشراء الخردة يمكن أن يُنظّم السوق ويوفر الشفافية.

3. التصدير

بعض أنواع الخردة المصرية مطلوبة في الأسواق العالمية، مثل خردة النحاس والألمنيوم.

4. الشراكة مع القطاع الخاص

تشجيع المستثمرين المحليين والأجانب لإنشاء مصانع ومراكز فرز متقدمة.

ثامنًا: الفوائد البيئية لتجارة الخردة

  • توفير الطاقة: تصنيع المعادن من الخردة يستهلك طاقة أقل بكثير من التصنيع من المواد الخام.

  • خفض انبعاثات الكربون.

  • تقليل النفايات الصلبة.

  • دعم الاقتصاد الأخضر.

تُعد تجارة الخردة في مصر كنزًا اقتصاديًا حقيقيًا، لا يقتصر على استثماراته الضخمة، بل يمتد ليشمل دوره في التنمية، وتوفير فرص العمل، وحماية البيئة، وتقليل الاستيراد.
لكن هذا الكنز بحاجة إلى اكتشاف حقيقي عبر التنظيم، والتأهيل، والتحول من العشوائية إلى الاقتصاد الدائري المستدام.
فبين أيدي المصريين، توجد ثروة يمكنها أن تصنع الفرق إن أحسنّا إدارتها.

 

 

 

للمزيد : تابع العاصمة والناس، وللتواصل الاجتماعي تابعنا على فيسبوك وتويتر

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى