فن وثقافة

من هو أناتول فرانس الفائز بنوبل؟.. إليكم نظرة على أعماله

القاهرة: العاصمة والناس    

 

في مثل هذا اليوم، وتحديدًا في السادس عشر من أبريل عام 1844، وُلد الكاتب الفرنسي أناتول فرانس في باريس، لعائلة تعمل في بيع الكتب، فكان والده يملك مكتبة أسماها “مكتبة فرنسا”، خصصها لكل ما نُشر عن الثورة الفرنسية، فكان الابن ينمو في ظلال الحروف وتحت سقف الثقافة، محاطًا بالكتب ومريديها، ومنذ طفولته عاش حياة مشبعة بالقراءة، قضاها بين رفوف المعرفة وجمهور المثقفين.

وتلقى أناتول تعليمه في كلية “ستانيسلاس”، وهى مدرسة كاثوليكية خاصة مرموقة، وبعد تخرجه، شارك والده في إدارة المكتبة.

 ومع مرور السنوات، تمكّن من شغل مناصب مهمة في عالم المكتبات، حيث عمل مفهرسًا وناشرًا مساعدًا في اثنتين من كبرى المكتبات الفرنسية، إلى أن عُيّن عام 1876 أمينًا لمكتبة مجلس الشيوخ الفرنسي، وهو المنصب الذي ساعده على التعمق في الحياة الثقافية والسياسية في بلاده.

بدايات أناتول فرانس في عالم الأدب

أما بداية انخراطه في عالم الأدب فكانت عام 1869، عندما نُشرت له أولى قصائده في الموسوعة الشعرية الفرنسية الشهيرة “بارناسوس”، ليتم اختياره في عام 1875 عضوًا في لجنة تحكيم الجزء الثالث من نفس الموسوعة، وبالتوازي مع ذلك، كتب العديد من المقالات في الصحف والمجلات الفرنسية، حتى ذاعت شهرته بعد نشر روايته الأولى “جريمة سلفستر بونار” عام 1881، التي قدّم فيها صورة انعكاسية لشخصيته من خلال شخصية البطل، ونال عنها جائزة من أكاديمية اللغة الفرنسية، تقديرًا لمستواها الأدبي والفكري.

مؤلفات أناتول فرانس

واصل أناتول فرانس تألقه الأدبي، فألف العديد من الروايات المهمة مثل: “تاييس”، و”الزنبقة الحمراء”، و”تمرد الملائكة”، و”الآلهة عطشى”، وفي يناير من عام 1896، تم انتخابه لعضوية أكاديمية اللغة الفرنسية، متحصلًا على المقعد رقم 38، في اعتراف رسمي بمكانته في الوسط الأدبي الفرنسي.

كان فرانس قد حصل على أسس ثقافية وإنسانية راسخة، وقرر أن يكرّس حياته للأدب، وقد تأثرت أولى قصائده بموجة البارناسية، التي أحيت التقاليد الكلاسيكية. ورغم أن تلك القصائد الأولى افتقرت إلى الأصالة الكاملة، إلا أنها كشفت عن أسلوب حساس، ونزعة تفكيكية تجاه المؤسسات الإنسانية، حيث بدأ مبكرًا في التشكيك في الأطر الاجتماعية والسياسية والدينية.

وقد تجلى هذا الشك الإيديولوجي في رواياته المبكرة، أبرزها: “جريمة سيلفيستر بونار” (1881)، التي تناولت قصة فيلولوجي شغوف بالكتب، مشتت في واقع الحياة اليومية، و”الروتيسري دي لا رين بيدوك” (1893)، التي سخرت بخفة من الإيمان بالخوارق، و”آراء جيروم كوينجار” (1893)، التي هاجم فيها المؤسسات الكبرى من خلال شخصية ناقد ساخر فطِن.

مرت حياته الشخصية باضطرابات لا تقل درامية عن رواياته، إذ انتهى زواجه من ماري-فاليري غارين دو سافيل عام 1893 بعد طلاق رسمي، وكان قبل ذلك قد التقى عام 1888 بالسيدة أرمان دي كايلفيت، التي ألهمت قصص حبه مثل رواية “ثايس” (1890)، وهي قصة تدور أحداثها في مصر وتحكي عن عاهرة تتحول إلى قديسة، وكذلك رواية “الزنبق الأحمر” (1894)، وهي قصة حب تدور أحداثها في فلورنسا، وتعكس مشاعر متأججة وتوترات نفسية شديدة.

ويُعد التحول الأكبر في أعمال أناتول فرانس الأدبية قد بدأ مع سلسلة رباعية بعنوان “التاريخ المعاصر” (1897–1901)، والتي شملت مجلدات: “شجرة الدردار على الميدان” (1897)، “دمية من الخشب” (1897)، “الخاتم الأميثيستي” (1899)، و”مونسيو بيرجيريه في باريس” (1901).

وبعد عام 1900، أصبحت اهتماماته الاجتماعية أكثر وضوحًا في أعماله، حيث تناول في مسرحية “كراينكبييل” (1903) معاناة تاجر صغير تعرّض لظلم قضائي، معلنًا عداءه للبرجوازية الفرنسية، وهي الرؤية التي قادته لاحقًا إلى تبني الاشتراكية، ثم التوجه نحو الشيوعية في أواخر حياته، ومع ذلك، فإن أعمالًا مثل “الآلهة تعطش” (1912)، و”جزيرة البطاريق” (1908)، أظهرت تشاؤمًا عميقًا من تحقق المدينة الفاضلة أو المجتمع الأخوي، إذ بقي فرانس متشككًا في قدرة البشرية على تجاوز أخطائها.

وقد زادت الحرب العالمية الأولى من حدة هذا التشاؤم، فآثر فرانس أن يلوذ بذكرياته، ويعود إلى البدايات. فكتب “بيير الصغير” (1918) و”الحياة في ازدهار” (1922)، مكملًا بذلك دورة سردية بدأت منذ سنوات طويلة مع كتابه المؤثر “كتاب صديقي” (1885)، الذي يُعد من أكثر أعماله إنسانية ودفئًا.

رغم كل هذا الإنتاج الثرّي، لم يسلم أناتول فرانس من الانتقادات، إذ رأى بعض النقاد أن رواياته تعاني من ضعف في الحبكة وافتقار إلى الخيال الإبداعي الخالص، إلا أن أعماله تميّزت بسمات جعلته في طليعة أدباء عصره: ثقافة موسوعية، حس فكاهي وساخر، شغف بالعدالة الاجتماعية، ووضوح كلاسيكي في الأسلوب، مما جعله بحق أحد ورثة تقليد ديدرو وفولتير.

أناتول فرانس وجائزة نوبل 

في عام 1921، نال أناتول فرانس جائزة نوبل للآداب، تكريمًا لمجمل أعماله، والتي وُصفت بأنها “تميزت بنبل الأسلوب وعمق التعاطف الإنساني”، وقدّم من خلالها أدبًا يحمل همّ الإنسان وقيمته في مواجهة العالم، وقد تبرع بالقيمة المالية للجائزة لمساعدة منكوبي المجاعة في الاتحاد السوفييتي.


اكتشاف المزيد من العاصمة والناس

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
مرحبا 👋
كيف يمكنا مساعدتك?