صحة وجمال

ثورة في زراعة الأسنان لكبار السن.. دراسة رائدة من جامعة القاهرة تفتح آفاقًا جديدة في طب الأسنان المصري

كتبت: فاطمة إسماعيل

يشهد مجال طب الأسنان تطورًا غير مسبوق في العالم، ولم تكن مصر بمنأى عن هذا التقدم. ومع تزايد عدد كبار السن في المجتمع المصري، برزت الحاجة لتطوير تقنيات طبية حديثة تتناسب مع احتياجاتهم الخاصة، خصوصًا في مجالات مثل زراعة الأسنان التي تشكّل عاملًا حاسمًا في تحسين نوعية حياتهم. ولعلّ الدراسة التي أطلقتها مؤخرًا كلية طب الفم والأسنان بجامعة القاهرة تُعد علامة فارقة في هذا الإطار.

الإنجاز المصري: زراعة أسنان بمكونات محلية بنسبة 70%

أعلنت جامعة القاهرة، وعلى لسان رئيسها الدكتور محمد عثمان الخشت، عن إجراء أول عملية زراعة أسنان ناجحة باستخدام مكونات مصرية بنسبة 70%، وذلك ضمن مشروع بحثي وتطبيقي ضخم يستهدف توطين التكنولوجيا الطبية وتقليل الاعتماد على الاستيراد.

هذه العملية جرت في مستشفى الشيخ زايد التخصصي التابع لكلية طب الأسنان، وتمثل نقلة نوعية في المسار العلمي والعلاجي في مصر، إذ تفتح المجال أمام تصنيع أطقم الزراعة محليًا بتكلفة أقل وكفاءة عالية، مما يضمن إتاحة الخدمة لشريحة أوسع من المواطنين، خاصة كبار السن الذين يعانون من فقدان الأسنان.

أهداف الدراسة ومحاورها العلمية

استهدفت الدراسة عدة أهداف استراتيجية، أبرزها:

  1. تحسين نوعية حياة كبار السن من خلال تمكينهم من استعادة وظائف الفم الطبيعية.

  2. تقليل الاعتماد على الخامات المستوردة، وتطوير بدائل مصرية بجودة تنافسية.

  3. تحقيق سيادة طبية وتقنية على مستوى الصناعات الصحية الدقيقة.

  4. رفع كفاءة الطلاب والأطباء المصريين عبر الانخراط في مشروعات تطبيقية وممارسات حديثة.

ثورة في زراعة الأسنان لكبار السن دراسة رائدة من جامعة القاهرة تفتح آفاقًا جديدة في طب الأسنان المصري
زراعة الأسنان في مصر

أنواع التركيبات الجديدة ودورها في تحسين نتائج الزراعة

ركزت الدراسة على استخدام تركيبات عظمية وتيتانيوم ومكونات أخرى مصرية الصنع. وشملت التركيبات أنواعًا حديثة صممت خصيصًا لتناسب كبار السن، ومن بينها:

  • الزرعات قصيرة الطول (Short Implants): صممت للحالات التي تعاني من تراجع كثافة العظام، وهي مثالية لكبار السن.

  • الزرعات الفورية (Immediate Implants): التي يمكن تركيبها في نفس جلسة خلع السن، لتقليل وقت العلاج والزيارات.

  • الزرعات الفكية المتعددة (All-on-4 & All-on-6): وهي تركيبات تُثبت كامل الفك العلوي أو السفلي باستخدام 4 أو 6 زرعات فقط، وتُعد حلًا مميزًا لكبار السن الذين فقدوا أسنانهم بالكامل.

التحول الرقمي ودوره في دعم زراعة الأسنان

من أبرز إنجازات الدراسة توظيف التحول الرقمي في مراحل التشخيص والتصميم والتركيب، عبر:

  • استخدام تقنية CAD/CAM: لتصميم تركيبات دقيقة تُطبع باستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد.

  • تصوير الأشعة ثلاثية الأبعاد (CBCT): الذي يوفر رؤية دقيقة للعظام والأنسجة، مما يساعد في التخطيط المثالي للزراعة.

  • التوجيه الجراحي الرقمي: والذي يسمح بإجراء الزراعة بدقة ميليمترية، ويقلل من التورم والآلام.

البعد الاقتصادي: زراعة الأسنان لم تعد حكرًا على الأغنياء

تكاليف زراعة الأسنان كانت دومًا عائقًا أمام شريحة واسعة من كبار السن، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الخامات المستوردة. وتؤكد الدراسة أن تصنيع مكونات الزرعات محليًا قد يسهم في خفض التكلفة بنسبة تصل إلى 40%، ما يسمح بتوسيع قاعدة المستفيدين ويقلل العبء على منظومة التأمين الصحي.

الجانب الإنساني: جودة حياة أفضل للمسنين

فقدان الأسنان لا يقتصر تأثيره على المظهر الخارجي أو المضغ فقط، بل له آثار نفسية واجتماعية عميقة. كبار السن الذين يعانون من فقدان الأسنان غالبًا ما يعانون من:

  • ضعف التغذية نتيجة صعوبة المضغ.

  • مشاكل في النطق والتواصل.

  • تراجع في الثقة بالنفس والانخراط المجتمعي.

لذا، فإن تمكينهم من الحصول على حلول دائمة مثل الزراعة يعيد إليهم كثيرًا من وظائفهم اليومية ويعزز استقلاليتهم ونوعية حياتهم.

التحديات التي واجهت المشروع

رغم النجاح الذي حققته الدراسة، واجه الفريق البحثي عدة تحديات، من بينها:

  • ضعف توفر المواد الخام عالية الجودة محليًا.

  • الحاجة لتحديث المعدات والبرمجيات بشكل مستمر.

  • تدريب الكوادر الطبية على التقنيات الحديثة.

  • إقناع المرضى من كبار السن بالخضوع لإجراء جراحي.

لكن بفضل التعاون بين الجامعة والمراكز الصناعية والمستشفيات الجامعية، تم تجاوز هذه العقبات وتحقيق نتائج واعدة.

المستقبل: نحو منظومة زراعة وطنية

تأمل جامعة القاهرة في توسيع التجربة لتشمل باقي الجامعات الحكومية والخاصة، كما تم التوصية بإنشاء “مركز وطني للابتكار في زراعة الأسنان”، يُعنى بتطوير الأبحاث والصناعات الداعمة، وإقامة دورات تدريبية للأطباء والطلاب من مختلف أنحاء الجمهورية.

تجارب حية: ماذا يقول المستفيدون؟

أحد المرضى الذين خضعوا للعملية، الحاج عبد العزيز (72 عامًا)، قال: “كنت فاقد الأمل، والأسنان المتحركة كانت تسبب لي آلامًا دائمة، الآن بعد العملية أشعر أني أصغر بـ10 سنوات.”.

التوصيات العامة للدراسة

  • إدخال مقرر تدريبي عن الزراعة الرقمية في المناهج الجامعية.

  • تشجيع التصنيع المحلي للتيتانيوم والمواد الحيوية المستخدمة.

  • دعم الدولة للمشروعات البحثية المماثلة في الجامعات الأخرى.

  • إصدار مبادرة قومية لزراعة الأسنان لكبار السن، بتمويل مشترك بين الحكومة والمجتمع المدني.

ما حققته كلية طب الأسنان بجامعة القاهرة يمثل نموذجًا متكاملًا لكيفية تلاقي البحث العلمي مع احتياجات المجتمع. إنه ليس مجرد تقدم تقني، بل خطوة استراتيجية نحو بناء نظام صحي مستدام، ورفع راية الطب المصري عاليًا إقليميًا ودوليًا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Open chat
مرحبا 👋
كيف يمكنا مساعدتك?